من أجل إنشاء محكمة دولية سورية خاصة

Facebook Share

من أجل إنشاء محكمة دولية سورية خاصة

رضوان زيادة - مركز دمشق

 

 


بعد ما ارتُكب من جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في يوغسلافيا سابقاً، تطور النظام الدولي باتجاه ما يعرف مبدأ حماية المدنيين ومنع وقوع جرائم الإبادة قبل معالجة آثارها ونتائجها بعد وقوعها، فتأسست محكمة الجنايات الدولية في عام 2002، وأقرّت الجمعية العامة للأمم المتحدة مبدأً بات يعرف بمبدأ حماية المدنيين (Responsibility to Protect) في عام 2005، متجاوزةً المبدأ التقليدي في حماية سيادة الدول وإدراك أنه عندما ترتكب الأنظمة جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، فإنها تفقد سيادتها ويصبح لزاماً على المجتمع الدولي أن يتحمل مسؤولياته في اتخاذ كل التدابير الضرورية من أجل حماية المدنيين ومنع وقوع الجرائم بحقهم. 

 

ترك المجتمع الدولي السوريين كي يعيشوا الألم وحدهم، يُقتلون يومياً بأنواع مختلفة من الأسلحة لا قِبَلَ لهم بها، فالقصف الجوي بالطائرات الحربية المقاتلة حصدت أرواح أكثر من 20 ألف مدني إلى الآن، وتشهد حلب همجية من نوع جديد في استهداف المدنيين بالبراميل المتفجرة، كما كثّف الأسد استخدامه للصواريخ البالستية بعيدة المدى والتي تصنف ضمن أسلحة الدمار الشامل ضد المناطق التي خرجت عن سيطرته غير عابئ بعدد الأرواح التي يمكن أن تحصدها هذه الصواريخ وغير مكترث لحجم الدمار الذي يمكن أن تخلفه في المناطق السكنية والبنى التحتية، هذا فضلاً عن ترسانة كاملة من الأسلحة المحرمة دولياً والتي استخدمت وتستخدم يومياً بحق الشعب السوري من القنابل العنقودية والفراغية إلى الألغام الفردية والبحرية وغيرها.

 

وآخرها كان استخدام الأسلحة الكيماوية في 21 آب/أغسطس في الغوطتين وعلى نطاق واسع خلفت أكثر من 1400 شهيداً وآلاف المصابين.

 

إن إطلاق عملية العدالة الانتقالية في سوريا من أصعب وأعقد الأمور التي ستواجه المجتمع السوري بعد سقوط النظام، إذ لا يمكن لأحد أن يتحدث باسم الضحايا أو ينطق باسمهم، وقضية تحقيق العدالة بالنسبة للكثير من أسر الضحايا لا تسامح معها ولا التفاف أو تهاون فيها، وإذا أُخذ بعين الاعتبار الانهيار الكامل لمؤسسات الدولة السورية كمؤسسات ذات مصداقية لدى العديد من المواطنين السوريين يتضح حجم الأذى الفادح الذي لحق على سبيل المثال بجهاز كالجهاز القضائي وبدوره في الحياة العامة في سوريا، وعليه فلن يكون النظام القضائي معداً أو مهيأً أو حتى قادراً على إطلاق عملية المحاسبة الضرورية التي ينشدها أهالي الضحايا.

 

كما ينبغي الأخذ بعين الاعتبار الانقسام المجتمعي الحاصل في سوريا اليوم بسبب الموقف من النظام ومليشياته وتصعيد الأخير عبر التخويف أو تحريض المكونات المجتمعية السورية ضد بعضها البعض، وآخرها تأسيس ما أطلق عليه "جيش الدفاع الوطني" الذي هو عملياً مأسسة حكومية لمليشيات "الشبيحة" شبه النظامية التي تدخل في إطار ما يمكن تسميته بالمرتزقة، إذ إن تشكيلاتها ليست سورية خالصة كما تؤكد شهادات العيان والتقارير الصحفية المتزايدة، وهي ستمثل تهديداً متزايداً للاستقرار ولبدء أية عملية للمحاسبة والعدالة، وهنا يأتي خيار اللجوء إلى ما يسمى العدالة الدولية فجرائم نظام الأسد في الحرب وجرائمه ضد الإنسانية تدخل بكل تأكيد في اختصاص محكمة الجنايات الدولية، ولكن وبسبب الموقف الروسي في مجلس الأمن الذي يمنع إحالة الجرائم المرتكبة في سوريا إلى محكمة الجنايات الدولية، مما يعني عدم قدرة المحكمة على فتح التحقيق بجرائم الأسد التي ترتكب يومياـ ولذلك يبدو الخيار الوحيد هو أن تنشئ الحكومة المؤقتة محكمة دولية خاصة يتم المصادقة عليها في الجمعية العامة للأمم المتحدة.

 

وهو ما يسمى بالمحكمة المختلطة، وهو الخيار الأفضل بالنسبة لسوريا والسوريين، إذ تتشكل محاكم على الأراضي السورية متخصصة في محاكمة جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبت بحق الشعب السوري خلال فترة الثورة السورية مدعمّة بخبرات دولية ربما تكون بإشراف الأمم المتحدة. 

 

إن الحاجة إلى الخبرات الدولية في المحاكم الوطنية (المحاكم المختلطة) في مجتمعات منقسمة يبقى الخيار الأفضل، إذ سيرسل الرسالة إلى كل السوريين أن الانتقام ليس هو الهدف كما أنه يطمئنهم أن أشد معايير العدالة والشفافية الدولية سيجري ضمانها، ولن يكون الهدف استهداف طائفة بعينها أو محاسبتها وإنما تأسيس مسار للعدالة يضمن تأسيس سوريا المستقبل على أسس صحيحة.

 

وبذات الوقت فإن ذلك يعطي ثقة أكبر من المجتمع الدولي بالنظام الجديد والتزامه بالعدالة والمصالحة، ويثبت أنه لا مكان لسياسات الثأر أو الانتقام ضمن برنامجه، في وقت سيحتاج فيه السوريون دعم المجتمع الدولي -الذي خذلهم بشكل كبير- لإعمار بلدهم وبناء مؤسساتهم المستقبلية بكل الأحوال، وبالتالي فإن بناء الثقة فيه مسألة بغاية الأهمية، لكن على السوريين أن يدركوا أيضاً أن هناك حدوداً للمساعدة يمكن أن يقدمها المجتمع الدولي، وأن عليهم في النهاية الاعتماد على أنفسهم في بناء ديمقراطيتهم في المستقبل.

 

المصدر

http://zamanalwsl.net/news/44663.html

   

Comments

No Results Found


Your Comment

* Your Comment
* Captcha